الصفحة الرئيسية  أخبار وطنية

أخبار وطنية القرآن كما نشره عثمان ابن عفّان في مصحفه.. بقلم الدكتور عفيف البوني.. باحث في تاريخ الأفكار

نشر في  06 ماي 2022  (13:40)

بقلم الدكتور عفيف البوني.. باحث في تاريخ الأفكار وكاتب أنسيكلـــوبيـــديــا القرءان 
أنسيكلـــوبيـــديــا القرءان، طبعة 2
المحتوى:
1) مادة عدد 3 صفحات 368-370
2) مادة عدد 4 صفحات 371-373
3) مادة: "مصحف عثمان" صفحات :310-315.
ملخص الوثيقة / المصحف في أرقام
(الجداول الإحصائيّة في الصَّفحات اللاّحقة)
1) عمر وثيقة مصحف عثمان (أي نص القرءان المكتوب والمجمّع والموحّد لأوّل مرّة): 1364 سنة (من زمن الانتهاء من ضبط وتدوين المصحف إلى زمن إعداد الطبعة الأولى من هذه الأنسيكلوبيديا مارس 2019).
1) مدّة زمن تدوين وثيقة مصحف عثمان: من حوالي منتصف العشريّة الخامسة إلى حوالي منتصف العشريّة السادسة من القرن السابع الميلادي (645م إلى 654م) حوالي عشر سنوات.
2) مدّة استمرار إعلان النبي سور مصحف عثمان: 22 سنة !
3) عدد سور مصحف عثمان: 114 سورة وعدد الأحزاب 60.
4) عدد السور المكّية 86 سورة.
5) عدد السور المدنيّة 28 سورة.
6) أطول سورة بأكبر عدد من الآيات في القرءان هي سورة البقرة وبها 286 آية.
7) أقصر سورة بأقل عدد من الآيات: سور النصر والعصر والكوثر وبكل منها 3 آيات.
عدد الآيات المدمجة بسور مصحف عثمان ولم تكن من ضمنها عند إعلان تلك السور من قبل النبي في حينه (بحسب الإخباريين الأوّلين): 148 آية أدمجت في سور كثيرة. (الملحق عدد13)
9) عدد آيات مصحف عثمان: 6236 آية.
10) عدد البسملات في المصحف: 113 بسملة.
11) عدد كلمات مصحف عثمان بحسب إحصاء الحجاج بن يوسف: 77439 كلمة.
12) عدد حروف المصحف حسب إحصاء الحجاج بن يوسف: 340741 حرفًا.
13) عدد شخصيات وأسماء الأعلام من البشر وأنبياء بمصحف عثمان (بحسب إحصاء عفيف البوني). 28 نبيّا ورسولا و18 أسماء أعلام. (ملحق عدد 19 وعدد 20)
14) عدد أسماء الأنبياء والرسل بالمصحف: 28 إسمًا تكرّر ذكرها 500 مرّة. (ملحق عدد19)
15) عدد أسماء أعلام البشر بالمصحف من غير الأنبياء والرسل: 18 إسمًا تكرّر ذكرها 163 مرّة. (ملحق عدد 20)
16) عدد أسماء إلاه المسلمين في المصحف: 3 أسماء وعدد مجموع تكرار تلك الأسماء الثلاثة في المصحف هو 3673 مرّة. (ملحق عدد15)
17) عدد أسماء «الخالد» أي إلاه اليهود التوراتي في العهد القديم هو 33 إسمًا وصفة، وعدد أسماء أو صفات إلاه النصارى في الأناجيل (كُتب العهد الجديد) هو فقط 9 أسماء أو صفات !. (هامش ملحق عدد15)
18) عدد صفات إلاه المسلمين في المصحف: 99 صفة (مادة الله).
19) عدد أسماء آلهة الوثنيين بمصحف عثمان 11 إسمًا أو إلاهًا وقد تكرّر ذكرها في المصحف 45 مرّة (إحصاء عفيف البوني). (ملحق عدد 17)
20) عدد أسماء أنبياء ورسل ديانات التوحيد الثلاثة (الموساويّة والنصرانيّة والإسلام): 6 أسماء لثلاثة أنبياء بمصحف عثمان (أي موسى و(عيسى، اليسوع، المسيح) و(محمد وأحمد).
21) عدد مرات تكرار ذكر أسماء أنبياء/ رسل الديانات التوحيديّة الثلاثة بمصحف عثمان: 179 مرّة منها 136 مرّة لموسى لوحده و38 مرّة لأسماء عيسى المختلفة و(5) خمس مرّات لاسْمَيْ محمد الإثنين (إحصاء عفيف البوني) (الملحق عدد 16).
22) عدد أسماء النصوص /الكتب المقدّسة لأديان التوحيد المذكورة في المصحف: 12 إسمًا لنصوص أو كتب أساسيّة تكرّر ذكرها 188 مرّة في المصحف. (ملحق عدد18)
23) عدد أسماء كل الأنبياء والرسل بالمصحف: 28 إسمًا لأنبياء ورسل. (ملحق عدد19)
24) عدد مرّات تكرار ذكر أسماء الأنبياء والرّسل بمصحف عثمان: 500 مرّة. (ملحق عدد19)
25) عدد أسماء البلدان والمواقع الجغرافيّة والمعالم بالمصحف: 28 موقعًا تكرّر ذكرها 119 مرّة. (ملحق عدد24)
26) عدد الظواهر الميثيولوجيّة (الأسطوريّة) من خارج الطبيعة ومن خارج التاريخ بالمصحف: 40 إسمًا، وقد تكرّر ذكرها به 1278 مرّة. (ملحق عدد25)
27) عدد الكائنات الميثيولوجيّة (الأسطوريّة) المذكورة في المصحف: 16 إسمًا وعدد تكرارات ذكرها جميعًا به 269 مرّة. (ملحق عدد26)
28) عدد أسماء الأقوام والطوائف والجماعات ذات الانتماءات الهوياتيّة المذكورة في المصحف 31 جماعة أو فئة أو قوم أو طائفة دينيّة، وقد تكرّر ذكرها في المصحف: 250 مرّة. (ملحق عدد27)
29) عدد أسماء فضاءات الممارسات الدينيّة أو التّعبّدية المذكورة في المصحف لأتباع ديانات موسى وعيسى ومحمد: 12 إسمًا تكرّر ذكرها في المصحف 73 مرّة: فضاء واحد خاص باليهود و72 فضاء خاصًّا بالمسلمين. (ملحق عدد 28)
30) عدد أسماء مفردات «أحكام القيمة» باشتقاقات مختلفة 14 إسمًا أو مفردة أو لفظًا تكرّر ذكرها في المصحف 1676 مرّة/آية في كثير من السور. (ملحق عدد 23)
31) عدد أسماء وظائف القائمين بوظائف الأديان في المصحف أو رجال الأديان: 13 وظيفة تكرّر ذكرها في المصحف 897 مرّة. (ملحق عدد21)
32) عدد صفات المنتمين لأديان التوحيد في المصحف 13 صفة تكرّر ذكرها 379 مرّة. (ملحق عدد22)
33) أخطاء الرّسم والنحو والصرف... في مصحف عثمان بحسب ما أصبحت عليه الكتابة العربية الحديثة، تتراوح بين العشرات والمئات وتصلُ عند البعض إلى 2500 خطأ بحسب إحصاء وتدقيق الباحث «سامي الديب». (ملحق عدد6)
المفهوم والجذاذة الفنيّة للمصحف «كوثيقة تاريخيّة» أصلية
1) مصطلح ومفهوم الوثيقة التاريخيّة:
الوثيقة هي كل مكتوب أو رسم أو أثر من العمل البشري من زمن ماضٍ، أي هي وسيلة مادّية تَحْفظُ أفكارًا أو رسومًا مدوّنة أو إنشاءات مختلفة، وكل ذلك يُسمّى بالتراث المادّي أو الرّمزي الذي يشهدُ عمّا كان من أنشطة الإنسان في القديم، والمؤرّخون في كتابتهم للتاريخ، يعتمدون عليها مصدرًا للمعلومات، حتّى يوثّقوا بها ما كان من أفكار ومن أحداث في تواترها وتراكماتها وتفاعلاتها وتأثيراتها.
وهذه الأنسيكلوبيديا تدرسُ “وحي” النّبي محمّد الذي أُسْمِي بالقرءان، والذي دوّنهُ خليفته عثمان، في “وثيقة تاريخيّة” عند مؤرّخي الأفكار، بغضّ الطرف عن طبيعتها الدينيّة المقدّسة عند المسلمين.
و”مصحف” عثمان، وثيقة تاريخيّة غنيّة بالشهادات عن مؤلّفها وعن زمان ولغة وأسلوب وبيئة المؤلّف والتأليف ولمن هي موجّهة، وعمّا حَوتهُ صفحاتها من معلومات وأفكار ومضامين وأحداث ورؤى ومواقف وقيم ومعايير... شهادات مباشرة وغير مباشرة، في السّطور وفي ما بين السّطور... نقرأ فيها الإنطباعات الشخصيّة للنّبي، وما كان قد وصلهُ من قصص وما حفظهُ من الأمثال والحكم والخبرات الإنسانيّة عن، ومن الآخرين المعاصرين والأوّلين، حتّى أنّ مؤرّخ الأفكار وهو يقرأ القرءان، يكادُ أن يشعُر بأنّه يغوصُ في قراءة مذكّرات شخصيّة بها اعترافات بالجملة، تكشفُ للباحث وللمؤرّخ ما خَفِي عن رجل الدين أو ما يحاول نكرانه أو إخفاءه...
يقرأ رجل الدّين والمسلم القرءان للتعبّد والقداسة، ومؤرخ الأفكار يقرأ للبحث وللدراسة، وهذا هو الفرق بين العبادة الدينيّة والدراسة العلميّة بتجرّد وحياد ومنهجيّة، ومؤرّخ الأفكار يعرف أنّ النصوص المقدّسة في كل الأديان مثل غيرها هي وثائق تاريخيّة عن أزمانها وبيئاتها وليست مصادر أو مراجع لكتابة التاريخ أو لتاريخ العلوم، وإن تضمّنت أحيانًا وعرضًا، معلومات، خبرتها أجيال سابقة.
إنّ عمل مؤرّخ الأفكار في دراسته “لوثيقة” القرءان، كما هو عمل مؤلّف هذه الأنسيكلوبيديا، يُماثل عمل القاضي الجنائي في تحرّيه لملف متّهم بجريمة، فهو يبحثُ فقط عن الأدلّة والقرائن في الملف، والتي تُفيد البراءة أو الإدانة ذات الصِّلة بالتهمة، في حدود ما يرضاهُ ضميره ليصدر حكمه العادل وفقًا للقانون السّائد روحًا ونصًّا، ومرجع مؤرّخ الأفكار في البحث عن الحقيقة، ليس القانون كما عند القاضي، بل منهجية وتقنيات ومعايير البحث العلمي.
2) القيمة التاريخيّة لمصحف عثمان كوثيقة:
*نُسِخَ هذا المصحف منذ أن ضبطهُ عثمان ولجنته من قبل الخطّاطين، وطُبِعَ من قبل المطابع (منذ أن زال تحريم طبع القرءان)، بعدد هائل لا يُمكن تقديرهُ، كما ترجم المصحف (منذ أن ترجمهُ غير المسلمين ثم من طرف المسلمين بعد سقوط فتوى تحريم ترجمته) إلى اللّغات الحيّة وغيرها، ونشر بأعداد يصعبُ تقديرها.
*قرأت فقط قلّة قليلة مباشرة مصحف عثمان الجامع للقرءان المتوفّر بكثرة أينما وُجِدَ المسلمون في كلّ البلدان والأزمان، واستمعت إلى قراءته مرارً كثيرة، لكن السؤال، هو: مَنْ هو القادر (من بين المسلمين) والعرب على قراءة القرءان بشكل دقيق؟
وكم من بين الذين يُحسنون القراءة والذين أحسنوا سماع قراءته، كانوا يفهمون فعلاً ما قرأوه أو سمعوه؟ إنّهم قلّة (من بين القلّة) من العرب (أو من المسلمين المستعربين) في كلّ العصور، ونحن نعرفُ أنّ الغالبية السّاحقة في القديم كانت من الأمّيين، وكون الغالبية الآن، ممّن يقدرون على قراءة القرءان أو سماعه مقروءًا، هم من المتعلّمين، فلا يعني ذلك أبدًا، أنّهم من الذين يفهمون القرءان، أو من الذين يقدرون على تفسيره التفسير الموضوعي السّليم.
*يزعمُ رجال الدّين والأئمّة وهم من المتعلّمين القارئين للقرءان (الذين يُحسنون اللّغة العربيّة: خرّيجو الجامعات الدينيّة كالأزهر والزيتونة والقرويين والنّجف وقم الخ) أنّهم وحدهم يفهمُون ويُفسّرون القرءان بشكل “صحيح” ! بمجَرّد إجادتهم لغة الضّاد! والحقيقة، أنّ فهم وتفسير أي نصّ، لا يقتصرُ على إتقان اللغة فحسب، وهذا ما جعل أفهام وتفاسير رجال الدّين للقرءان وعلى الدّوام، ثابتة وواحدة ومتكرّرة، لا تختلفُ في ما بينها إلاّ بالتفاصيل الجزئيّة، فهم في الفهم والتفسير، يستعرضون ما يخامرُ وجدانهم «إيمانًا» ممّا ورد في الرّوايات، عن الإسرائيليّات والغيبيّات والمُعجزات ممّا تلقّنوه عن الأسلاف.. وهكذا يتكلّمُ أبو هريرة والطبري ومسلم في القرن العشرين، على ألسنة الطاهر بن عاشور والشيخ الشعراوي والقرضاوي، وينطقُ ابن باز بلسان ابن تيميّة وابن حنبل في القرن العشرين.
*وأمّا المتعلّمون القادرون على قراءة القرءان من خريجي جامعات العلوم في التقنيات والطبيعيات، فإنّ مجرّد تلك القدرة على القراءة، لا تُمكّنهم من فهم أو تفسير القرءان، وإن إدّعوا الفهم فهو فهم سطحيّ، والسبب في عدم اقتدارهم على الفهم هو عدم إحسان اللّغة العربية وجهلهم بالعلوم الاجتماعيّة ومناهجها، وما تراكم من نتائجها.
3) الجذاذة الفنيّة لوثيقة مصحف عثمان:
*إسم الوثيقة الأصل: هي مخطوطة في ستّ نُسخ مُتطابقة أمر الخليفة الثالث عثمان بن عفّان بجمع نصوصها (السّور والآيات التي أعلنها نبي الإسلام بأنّها القرءان أساس ومرجَع ذلك الدّين الجديد، وقد أتلف الخليفة ماعَدَا تلك النُّسخ من النصوص القرءانيّة المفرّقة حتّى لا تتداخل أو تتضارب مع النّص الواحد والرّسمي المضبوط في المصحف، والنُّسخ الأصليّة، كما تلك التي وقع الإستنساخ منها إلى حدود حوالي القرن الثالث الهجري قد تَلِفَتْ، أو تلاشت، وأقدم المخطُوطات القرءانيّة الموجودة كأجزاء غير كاملة في المتاحف أو الجوامع وهي نادرة العدد تعودُ إلى القرن الخامس الهجري.
4) نص المصحف وثيقة أصلية:
استمرّت نصوص مصحف عثمان أو القرءان موثّقة وثابتة منذ تدوينها من طرف عثمان، بحيث لم تتعرّض لأيّ تحريف من بعده، إلاّ ما قد يكون عن غير قصد من قبل النسّاخين أو القرّاء، خاصّة في العصور القديمة، وذلك تحديدًا في حالة نوعيّة الحروف المتشابهة في شكل رسمها مثل ب ت ث أو د ذ أو: ر ز... قبل إدخال التنقيط لتمييزها أو لتقارب الشبه في نُطقها مثل حرفي السّين والصّاد الخ
*مُــصْـحَـف (عـثـمان)
تعني كلمة مصحف الكتاب المخطوط، الذي خطّ فيه نصّ الوحي المحمدي، وهو كتاب لم يثبّت في صفحة غلافه الأوّل اسم مؤلفه ولا مدوّنه، على أساس أنّ المؤلّف (نصًّا أو وحيًّا) هو الله، كما أخبر نبيّ الإسلام ومُبلّغُ القرءان بذلك، وسُمّي القرءان بمصحف عثمان، وهو في 114 سورة منها 86 مكّية و28 مدنيّة.
مصحف عثمان هو نفسه وحي محمد أو قرءانه.
كان القرءان أو الوحي النّبوي أو «كلام الله» (بكل سوره بكل آياتها) عندما مات نبي الإسلام مفرّقًا أو مشتّتًا بعضه عند زوجته حفصة بنت أبي بكر وبعضه عند غيرها...
كان النّبي يُعلن أو يبلغ الوحي، كل جزء في حينه بحسب المناسبة أو الحدث، والذين يحضرون معه أو في مجالسه أو في تنقلاته أو في غزواته... ليسوا دائمًا هم نفس الأشخاص أو الأصحاب... يتغيّرون بحسب الأحوال فيحضر هذا الصحابي نزول بعض الآيات أو السّور، ولا يحضر عند نزول غيرها، وهكذا فالبعض سَمِعَ ببعض القرءان مباشرة، وبعض آخر سمع أو حضر نزول بعض آخر، من السّور والآيات وهكذا، ويصلهُ بالسّماع لاحقًا ما فاتهُ من السّماع حضورًا مباشرًا. كما قد لا يصله بعض آخر.
إستمرّ نزول القرءان حوالي اثنين وعشرين سنة من سنة 610م إلى سنة 632م... والمناسبات والأحداث نزلت فيها آيات كثيرة أو قليلة خلال زمن نزول الوحي الذي استغرق أكثر من سبعة آلاف يوم (ليلاً ونهارًا).
كان النّبي يُملي على زيد بن ثابت (وزيد هذا كان يقرأ ويكتبُ (وطبعًا يترجم) السريانيّة واليهوديّة) أو يقرأ ما يأتيه من الوحي على من هو حاضر معه في هذه المناسبة أو تلك... ولا نعلمُ كيف تعلّم زيد بن ثابت القراءة والكتابة، وكيف لم يحاول تعليم النّبي محمد، كيف يقرأ وكيف يكتب، كما لا نعلمُ لماذا تنعدمُ الأخبار عند الإخباريين والرّواة أنّ النّبي الواصف نفسه، والموصوف بالأمّية... لم يحاول قبل أو أثناء النّبوة، القراءة والكتابة ولماذا بقيَ راضيًّا على ذاته، بما كان عليه من أمّية أبجدية مفترضة، وهو الذي يحثّ المُسلمين أن يطلبوا العِلم ولو في الصّين البعيدة، بينما لم يُعطِ هو بنفسه المثل في تعلّم القراءة والكتابة (إن كان فعلاً يجهلها) والنّبي فرض على أسراه في حروبه ممّن يُحسنون القراءة والكتابة، أن يُعلّموا المُسلمين ذلك حتّى يخفّف عليهم وِزرَ الأسر، وذلك يدلّ على عمق وعيه بأهمية وعظمة حُسن الكتابة والقراءة.
كان التدوين للآيات يتمّ على الرّقاع والجلود والعِظام والخزف... وبَقِيَتْ نصوصها المخطوطة مبعثرة بين البيوت والأشخاص وزوجات النّبي وبين الأماكن التي تَنقّل النّبي بينها وهي في محامل مختلفة ومناطق أو مواقع متباعدة...
وحين يبلغُ النّبي الوحي أي القرءان في كل مرّة، يكون الحاضرون معه ليسوا دائمًا نفس الأشخاص وبالضرورة، وذكر المحدّثون أنّ النّبي كان يقرئ أحيانًا الوحي إلى جماعة من الحاضرين ثم يُعيد إقراء ذلك الجزء أو النّص إلى جماعة أخرى في وقت آخر، وأحيانًا بصيغة غير مماثلة تمامًا، أي بصيغة مُعدّلة، ويحدثُ أن يتجادل الصحابة كل منهم، يؤكّد على النّص الذي سمعه مباشرة من النّبي، ويتجادل الصحابة من الفريقين حول الرِّواية الأصحّ قد قالها النّبي، ثم يختصمون للنّبي في أن يصدع بما هو الصحيح من الوحي، فإذا بالنّبي لا يُنكر على أي من المختلفين أيّة رواية، لأنّ مصدر الإصداع بالوحي، هو النّبي نفسه، وهكذا حصل تأويل الاختلاف والتشابه في الآيات والرِّوايات، بمسألة النّاسخ والمنسوخ! وبنزول القرءان على سبعة أحرف!... ورُوي أنّ النّبي قد أقرّ بنفسه السّورة الواحدة أمام كل صحابي بوجه مختلف وقد حدث هذا أحيانًا، ولعلّ كثرة الآيات المكرّرة وتلك المتشابهة وهي كثيرة جدًّا يُمكن أن تدخل في هذا السّياق.
ومع أنّ النّبي محمد هو أوّل مَن نطق بالوحي ومَن أبلغه وأعلن بأنّه مقدّس! أي من عند الله أو هو كلام الله! فإنّه مات ولم يأمر بجمعه في وثيقة واحدة وأصيلة، بحيث توفى النّبي وترك ما أوحى به من قرءان مبعثرًا ومفرّقًا بين أماكن ومحامل عدّة وأفراد عديدين، وكان يجب، أن يكون النّبي، أحرص من صحابته على جمع وضبط وصون كلام ربّه المقدّس! وهذا ما لم يحدث في قائم حياته حيث توفّى عام 632م والسؤال الذي لا يطرحهُ رجال الدّين وحتّى الخلفاء الأوّلون، هو لماذا أهمل النّبي محمد جمع قرءانه ولم يقم بنفسه أو عبر كاتبه أو أحد صحابته في قائم حياته بإنجاز ذلك؟ وهو من كان يُلحّ على قداسة وحيه وعلى أنّ مصدره هو الله! لا نجدُ لهذا تبريرًا ولا تفسيرًا يُقنعُ مؤرّخ الأفكار أو يشفعُ لمبلّغ القرءان الموصوف بالقداسة... إهمال الجمع والضبط المدقّق والكامل والموحّد من طرف النّبي، وذلك قد كاد أن يُؤدّي بعد ممات النّبي إلى ظهور قرءانات عدّة وربّما مختلفة أو إلى ضياع سور القرءان... ومثل هذا حصل لكلام أو وحي موسى المستمدّ من «هواه» (إلاهه) فتحوّل كلامهُ إلى كُتب عدّة، هي التوراة (خمسة كُتب) وحصل نفس الشيء مع النّبي عيسى الذي لم يدوّن تعاليمهُ، فصارت عبارة عن أربعة كُتب ولاحقًا تكاثرت كُتب منسوبة له... هذا الإهمال النّبوي (لضبط نسخة أصيلة من القرءان) قد دفع عثمان لاحقًا إلى تدارك سياسي لما فات على النّبي وعن أبي بكر وعمر، حيث أنجز مصحفه للقرءان، فخدم عثمان بذلك المؤرّخين أعظم خدمة، كما خدم نفسه سياسيا، بأعظم ممّا خدم المسلمين وهؤلاء (بالرّغم من أنّ القرءان مصحف عثمان)، لم يتوقّفوا طوال التاريخ عن التّحارب في ما بينهم، وتاريخهم محن وفتن وحروب وتكفير لكلّ تفكير حرّ أو إبداعي.
تجمّع عند حفصة ابنة عمر بن الخطاب وزوجة الرّسول عدد من الصحائف المُدوّنة من القرءان، ووُجدت أجزاء أخرى من المدوّنات عند أبي بكر... وقد طلب عمر من أبي بكر جمع نص القرءان فعيّن زيدًا بن ثابت (كاتب وحيه) ليجمع القرءان وقد روي أنّ علي بن أبي طالب وعمر وعثمان قد ساعدوه في البداية.
وحسب أنس بن مالك أنّه تمّ تشكيل لجنة من أربعة كلّفوا بجمع المتناثر من القرءان وهم: أبّي بن كعب ومُعاذ بن جيل وزيد بن ثابت (الذي أسلم في المدينة وتوفّى عام 45هـ) وأبو زيد.
وفي الأخبار قام عثمان بأوّل تجميع شامل ونهائي للقرءان وقد اختار لذلك كلاّ من زيد بن ثابت وعبد الله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبد الرحمان بن الحارث بن هاشم، وأمرهم عثمان أن يجمعوا القرءان المُبعثر وأن يكتبوه بلسان قريش قبيلة النّبي (ولسانها يختلف بعض الشيء عن لسان قبيلة تميم وغيرها) وأن يعتمدوا خاصّة على النسخة الموجودة عند حفصة (وهي غير كاملة) وكذلك على مصحف عبد الله بن مسعود وعلى مصحف أبيّ بن كعب.
(وقد ذكر البخاري رواية عن أنس، أنّ عثمان طلب من حفصة زوجة الرّسول أن تمدّهُ بمصحف القرءان الذي حفظتهُ عندها، وأخذه منها ومدّها لأعضاء لجنة جمع القرءان: زيد بن ثابت، عبد الله بن الزبير، سعيد بن العاص، عبد الرحمان الحارث بن هشام فنسخوها، وقال عثمان للقرشيين الثلاثة إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرءان... فاكتبوه بلسان قريش فإنّهُ نزل بلسانهم ففعلوا... (وهذا يدلُّ على صواب تفكير عثمان بأنّ اختلاف الرّوايات عن نصوص القرءان حقيقة وحتّى في بعض أسماء المدوّنين من أعضاء لجنة الجمع والتدوين ويُضيفُ البخاري: وقال زيد: فقدت آية من الأحزاب حين نسخنا المصحف كنت أسمع رسول الله يقرأها، فإلتمسناها فوجدناها مع خريمة بن ثابت الأنصاري (مِنَ المُؤمِنِينَ رِجَالٌ مَا صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا الله عَلَيهِ...) (الأحزاب /23) فألحقناها في سورتها بالمصحف، وفي الروايات أنّ زيدا هو من كتب مصحف حفصة.
من هذه المدوّنات المختلفة لأشخاص لا يبدو أنّهم متساوون في الأعمار وفي الأهليّة، وإن كانوا جميعًا (وبقدر متفاوت) يُحسنون الكتابة والقراءة، (اجتهد) هؤلاء (وهم غير معصومين من الخطإ، كما هو (حال النّبي) بحسب منطق الوحي المُقدّس في ما هو ديني) في جمع وضبط وتدوين، ما أقرّوه جماعيًّا أو ما رجّحهُ مَن مِن بينهم أكثر نفوذًا وجاهًا أو عِلمًا، ممّا ثبت لهم (ولَهُ) صحّته، أو فيه مصلحة ما لخليفة النّبي، أو للصحابة الأحياء أو للمسلمين، وذلك بغضّ الطرف، عمّا يُمكن أن يكون لهم من قصور ذاتي في الأهلية أو من العجز غير الذّاتي، في عدم التمكّن من العثور على (أصل أصيل) من الوحي أو في عدم ترجيح نصّ قرءاني منسوب للنّبيء... الخ
لقد أقرّ هؤلاء نصًّا هو نفسهُ الذي أقرّه خليفة النّبي الثالث عثمان بن عفّان، سواء بعدم تعديل أو مع تعديله للنّص القرءاني الذي أقرّته تلك اللّجنة، وعثمان بصفتهِ السياسيّة أقرّ ذلك النّص وأسماهُ بـ«المصحف» الذي حمل إسمه أي (المصحف العثماني) (وليس المصحف النّبوي أو المحمّدي)، وقد أمر عثمان بإتلاف وحرق كلّ النُّسخ الأخرى التي ربّما بها بعض القرءان بروايات أخرى ربّما... هكذا يفكّر الباحثون وأمّا المؤمنون والفقهاء والمسلمون المحافظون والأمّيون والعلماء التقليديون فهم من المستحيل أن يفكّروا في هذا.. هم فقط يحفظون ويكرّرون ما تلقّنوه، وكل ما تلقّنوه عندهم عين «اليقين» أي «جوهر الحقيقة».
كانت عملية جمع وضبط القرءان من طرف لجنة عثمان عملية صعبة ودقيقة من ناحية التدبير والتدقيق والتوثيق والتّثبّت والتدوين الرّسمي للقرءان في 114 سورة مدنيّة منها 86 سورة مكّية وبها أكثر من ستة آلاف آية، والباحثون يعرفون مشقة ودقّة وصعوبة وأرشفة وأزمنة وترتيب كتابات مبعثرة من قبل هواة.
في منطق الإسلام لم يكن عثمان ولا مَن عيّنهم لجمع وتدوين القرءان من المعصومين من ارتكاب الأخطاء في التّدوين ولا من المحترفين في النّقل السّليم والدّقيق المنهجي بالمعنى الأكاديمي وفي هذا ذهب معروف الرّصافي في (الشخصيّة المحمّدية) بأنّه لا ينكر أنّه قد أسقط من القرءان بعض الشيء الضئيل وما وصل منه فهو صحيح.
إنّ إطلاق تسميّة أو نسبة (مُصحف القرءان) إلى عثمان، لها معنى مادّي وليس معنى مجازيًّا، فهي نسبة وتسمية تدلّ على العمل المادّي الإجرائي والنظامي والترتيبي والرّسمي الذي أنجزه عثمان بجمعهِ القرءان في «مصحف واحد شامل ونهائي ورسمي ووحيد»، وتدلّ أيضًا على أنّ (عثمانية هذا المصحف) قد لا تقتصرُ على ذلك، وإلاّ لماذا أمر عثمان بحرق وإتلاف النُّسخ الأخرى من روايات القرءان؟ فلو كانت مُطابقة لمصحفه، لما احتاج لِحرق تلك المصاحف، ورُبّما أحرقها، إمّا لشكّ في صدقيّة توثيقها ونقلها عن النّبي، أو ربّما بسبب تطوّر وتغيّر الأحداث في عهده بالحكم، وتضارب المصالح وتنامي الصِّراعات، كل ذلك قد أحدث ما من شأنه، تدقيق ومراجعة ما لم يَعُدْ متماشيًّا من الوحي، مع مستجدات الأحداث!! خصوصًا الصِّراعات بين القبائل عن السلطة (خلافة النّبي) وحول الثروات من الغزوات ومن الزكاة ومن الجزية والخراج والفيء والغنائم...
ليس من الصدفة عدم تسمية (المصحف العثماني) بأنّه أيضا مصحف «نبوي» أو «محمّدي» فقط لأنّ النّبي لم يكتب بنفسه مصحفه ولم يضبط قرءانه، هو (مصحف عثماني) (أي أنجزه عثمان) للقرءان كما أقرّه وأحرق غيره، وذلك النص المعروف للقرءان، في ذلك المصحف هو، ما صدر عن النّبي وحيا، وحفظه ونقله عنه الحافظون والناقلون من الرّواة والمدوّنون مثل زيد، أي ما صحّ من كل ذلك عند لجنة عثمان ثم وافق عليه عثمان شخصيًا.. وذلك المصحف العثماني بقي نصّا أصيلاً لم يحرّف منذ أن ضبطه عثمان بعد وفاة النّبي بأكثر من عقدين من السّنين.
وحدث ذلك الضّبط والتدوين الرّسمي والنّهائي للمصحف (ربّما هو النص الذي رواه ونسبه أعضاء لجنة عثمان (وعثمان نفسه) للنبي على أساس أنّه «الوحي المحمّدي»!) كما علموا به (لا نملك ما يؤكّد أو ما ينفي علميًّا، ورجال الدِّين يملكون أدلّة إيمانيّة قطعيّة كما لو أنّهم شهود عيان عن زمن سحيق) حدث سنة 25 أو 28هـ/651م أي بعد موت النّبي صاحب الوحي بحوالي عقدين وبحسب روايات أخرى أنجز المصحف العثماني أي ضبط نصّ القرءان رسميًّا ونهائيًّا في ما بين سنة 644 و656م أي حسب هذه الرواية بعد موت النّبي بأكثر من عقدين ويبدو أنّ عملية ضبط وجمع القرءان قد استمرّت أقل من عشر سنوات.
ومصاحف القرءان المتداولة في عصرنا قد ورد فيها الذكر بأنّها وثيقة منقولة عن رواية حفص بن سليمان ابن المغيرة الأسدي الكوفي، لقراءة عاصم بن النّجود الكوفي التّابعي عن أبي عبد الرحمان عبد الله بن حبيب السلمي عن عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب وزيد بن ثابت وأبي كعب عن النّبي محمد.
وفي هذا المصحف أخطاء في النّحو وفي الصَّرف وفي الرّسم بحسب القواعد المعتمدة في العصر الحديث في النّحو والصَّرف والرّسم، وخصوصًا النحو الذي منطقيًّا، هو ثابت لا يتغيّر، والمختصّون يعرفون هذا جيّدًا، أمّا رجال الدِّين فلهم تبريرات «لا يعقلها» أحد غيرهم من بين كل العقلاء.
و(المُصحف العثماني)، إذا تركنا جانبًا أخطاء النّحو والصّرف والرّسم، إن اعتمد تدوينًا لا يحفلُ بالتسلسل الزّمني أو التّاريخي لإعلان النّبي ما أعلنهُ من السّور والآيات، فالسّورة الواحدة بها آيات مكّية وأخرى مدنيّة، ومعنى هذه الآية يختلفُ أو يبتعدُ عن معنى وسياق الآية السابقة واللاّحقة، فالترتيب للسّور وللآيات فوضوي وكذلك للمواضيع وللأمثال والقصص والقضايا... وهنا نذكُرُ أنّ الباحث والمستشرق الألماني نولدكه قد رتّب منذ القرن التّاسع عشر سور وآيات القرءان (سنة 1860م) بحسب تواتر زمن نزولها أو إعلانها من طرف النّبي، وقام الأكاديمي الفرنسي ريجيس بلاشار منتصف القرن العشرين بترتيب نصوص القرءان بحسب أخبار أسباب وأحداث النّزول التي ذكرها القُدامى. مع ملاحظة اعتماد المصحف العثماني ترتيب السّور الطِّوال أوّلاً ثم السّور القِصار ثانيا باستثناء الفاتحة، والتي وُضعت من قبل من تصوّروا نمطيّة معيّنة للمصحف، بمثل مَن في زمن لاحق، وضعوا أسماء السّور مشتقّة من آيات السّورة نفسها، أو وضعوا التقسيم إلى (أحزاب) و(أجزاء) و(أثمام) و(آيات) الخ ومثل وضع الشّكل والحركات والشّدّات وعلامات المدّ والنّبر إلخ ولا نملكُ نموذجًا لأقدم مُصحف عثماني من عهد الصّحابة الأوّليين ولا حتّى من عصر فجر الإسلام.
لقد دُوّنَ القرءان في (مصحف) أي في (كتاب) أي في (وثيقة) واحدة ثابتة أصلية لم تَخضَع للتغيير أو التزييف أو الحذف أو الزيادة منذ زمن تدوينها في المُصحف العثماني، وما قام به عثمان بهذا التدوين، قد منع أشكال التحريف والانتحال والتبديل والوضع والإضافة التي حصلت في تاريخ الكتابات المُقدّسة عند اليهود وعند المسيحيين، والتي يصلُ عددها إلى العشرات. بينما احتفظ المسلمون بفضل عثمان بكتاب القرءان واحدًا وأصيلاً (منذ عهده)، ومع ذلك وجد عند المسلمين، ما لا يُحصى من رجال الدِّين المحدّثين والمفسّرين والمفتين ومبدعي المذاهب والأولياء وشيوخ الطُّرق، وكل واحد من هؤلاء، زعم «الصَّواب» في ما فهمهُ هو، ونسب فهمه إلى النبي أو إلى القرءان أو إلى الله... وما فهمه هؤلاء، هو غير ما في النّص فعلاً، كما في فهم وتفسير الباحث الموضوعي.
وأمّا هجاء أو تهجّي حروف كتابة المصحف، فقد أخذ عمّا رواه علماء الرسم، عن المصاحف التي أرسل عثمان بن عفان نظائر من نسخها إلى ولاته، أمّا المصحف الذي أبقاه عثمان بن عفّان لنفسه، فقد جعله أيضًا لأهل المدينة مصدرًا ومرجعًا لوحدة ونص القرءان كما حصل في زمن ذلك الخليفة وبأمره.
وحين أنجز المصحف المذكور أمر الخليفة عثمان بإتلاف وحرق بقية النسخ المتداولة الأخرى عن سور وآيات القرءان عند المسلمين في ذلك الوقت، حتّى لا ينقسمُ المسلمون على أنفسهم، بسبب ما قد يكون (أو قد كان) من احتمال الاختلاف بين النّصوص القرءانية التي ربّما أُتلفت أو أُحرقت أو نُسيت كما ذكر ذلك الرّواة، وقد حدثت نزاعات ومذاهب بين النّصارى، وبين اليهود حول تعدّد النّصوص المقدّسة واختلافها في المسيحيّة وفي الموساويّة، حول كتب العهدين القديم والجديد.
 
ومصحف عثمان استنسخ في نسخ ستّة متطابقة حسب الرّواة واحدة لعثمان والنسخ الخمسة الأخرى أرسلت إلى كل من مدن البصرة والكوفة ومكّة والشام والمدينة، وهذه النسخ وما استنسخ عنها في القرنين الأوّل والثاني الهجري تعرّضت للتلاشي والتّلف ولا تُوجد مصاحف من هذه الفترة وأقدم أجزاء من مصحف تعودُ للقرن 5 هـ عُثر عليها في أحد جوامع صنعاء خلال سنة 1972م، كما ضاعت النسخة المحيّنة من ناحية الرسم والشكل والتقسيم التي وضعها الحجاج بن يوسف الثقفي والي العراق، وضاعت النسخة التي أمر الخليفة الأموي عبد الملك بإنشائها أثناء حكمه.
وترتيب سور وآيات القرءان جاءت في مصحف عثمان بن عفّان بين مكيّة ومدنية، في التّتابع أو في عدم التّتابع، بقيت كما هي.
ولقد قام المستشرق الألماني في العصر الحديث بإنجاز نسخة لنصّ القرءان أي المصحف العثماني، وأعني الباحث (نولدكه) وذلك بحسب تسلسل وتواتر نزول السور والآيات زمنيًّا، كما ورد ذلك في كتب القدامى من الرّواة وبحسب ما ذكروه من أسباب ومناسبات نزول الوحي المحمدي. (الملحق عدد 9).
ولقد أنجز الباحث الفرنسي رجيس بلاشار وهو جامعي ومستعرب من أساتذة (الكوليج دي فرانس)(Régis Blachère) ترجمة القرءان إلى اللغة الفرنسية بحسب محاولة في إعادة ترتيب السّور، ونـشـره فـي سـنـة 1949 بـدار نشر (Maisonneuve et la rose) بباريس. (الملحق عدد 10).
وقد حرّم الفقهاء ورجال الدين القُدامى ترجمة القرءان/المصحف إلى غير الناطقين بالعربية فحرموا المسلمين غير العرب وغير المسلمين والباحثين من قراءة وفهم نصّ القرءان بالمصحف، وأوّل ترجمة للقرءان أو المصحف حصلت إلى اللغة اللاّتينية من طرف الكنيسة سنة 1146م بإسبانيا ثم تُرجمت تلك الترجمة بعد ظهور المطبعة إلى عدّة لغات غربية الفرنسيّة والألمانيّة والإنجليزيّة والروسيّة إلخ وفي الفرنسيّة هناك أكثر من عشرين ترجمة قام بها مستشرقون أو مستعربون أو أكاديميون فرنسيون وقام بعض المسلمين بعدّة ترجمات إلاّ أنّ أفضل الترجمات دقة وأمانة ومنهجية هي ترجمة كل من ريجيس بلاشار وترجمة جاك بيرك في حدود إطّلاعنا على أغلبية نصوص الترجمات إلى الفرنسيّة.
راجع مادّة: القرءان، محمد، وحي، إسلام، خليفة والملحق عـ3ـدد (مصحف عثمان).
وكتاب: عفيف البوني، قرءانات اللغة اللاتنية والفرنسية.